مقالات للكاتب

أيهم السهلي

الأربعاء 12 شباط 2025

شارك المقال

حتى مع الأسرى والشهداء «يعبثون»!


لم يكن يخطر في بال الشعب الفلسطيني، قبل أول من أمس، أن هناك من يتجرّأ على الشهداء والأسرى. لكن بعد القرار بقانون الذي أصدره رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والذي عنونته وكالة «وفا» كالآتي: «الرئيس يستجيب لاحتياجات العائلات الفلسطينية التي تحتاج إلى الدعم والتمكين ويجري تعديلات قانونية على منظومة الرعاية الاجتماعية»، ليبدو كأنه لمصلحة عائلات الشهداء والأسرى.

لكن، ونقلاً عن «وفا»: «يقضي بإلغاء المواد الواردة في القوانين والنظم المتعلقة بنظام دفع المخصصات المالية لعائلات الأسرى، والشهداء، والجرحى، في قانون الأسرى واللوائح الصادرة عن مجلس الوزراء ومنظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك نقل برنامج المساعدات النقدية المحوسب وقاعدة بياناته ومخصصاته المالية والمحلية والدولية من وزارة التنمية الاجتماعية إلى المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي».

ونظراً إلى الصيغة القانونية، والتي غالباً لا يفهمها إلا أهل الاختصاص، التبس الأمر في البداية على الناس، إلى أن جاء أولاً خبر نقله موقع «أكسيوس» عن مسؤول فلسطيني: «أبلغنا الإدارة الأميركية بقرار الرئيس عباس وقف الميزانيات المخصصة لعائلات الأسرى والشهداء». ورغم ذلك، ظل هناك من يدافع عن القرار، وذلك لعدم القدرة على فهم الصيغة القانونية.

لكن في صباح أمس، خرج الرجل المشهود له بوطنيته، ونضاله المستمر من أجل الأسرى، السيد قدورة فارس، الذي يتولى «هيئة شؤون الأسرى والمحررين» التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأعلن رفض الهيئة لإجراء عباس، وطالبه باسمها بـ«سحبه»، لافتاً إلى أن المرسوم «يمسّ شرائح واسعة من الشعب الفلسطيني».

ومن ضمن ما قاله فارس: «المؤسسة الوطنية للتمكين الاقتصادي التي نقل إليها إدارة البرنامج وقاعدة بياناته هي مؤسسة أهلية، وهذه المؤسسة سترسل طواقم للتأكد من صعوبة الحالة المادية لهذه العائلات قبل صرف 700 شيكل (نحو 200 دولار)، وهذا غير مقبول». مضيفاً: «من غير المعقول أن تخضع حقوق الأسرى والشهداء لمعايير إدارية أو اقتصادية جديدة تتجاهل البعد الوطني لهذه القضية»، وطالب عباس بسحب المرسوم الرئاسي «فوراً».​​​​​

إن هذه الخطوة محاولة جديدة من قبل من يتولّون شؤون الفلسطينيين في رام الله، لتقويض النضال، وإذلال المناضلين، وعائلاتهم، عبر تحويلهم إلى «حالات اجتماعية»

إذاً، بعدما تكلّم قدورة فارس، ورفض إجراء السلطة الفلسطينية ممثّلة بشخص رئيسها وبعض من حوله، انتفت إمكانية التحليل للخطوة، ومحاولة تجميلها، أو اعتبارها في مصلحة الشهداء والأسرى. بل على العكس، تأكدت سلبية الخطوة، وهدفها الإرضائي للأميركي والإسرائيلي على حساب الشعب الفلسطيني، وتحديداً على حساب من ضحّوا في سبيل الشعب والأرض. والذين لولا تضحياتهم لما كان «أوسلو» الذي تتمسك به «سلطة فتح» و«فتح السلطة».

إن هذه الخطوة محاولة جديدة من قبل من يتولّون شؤون الفلسطينيين في رام الله، لتقويض النضال، وإذلال المناضلين، وعائلاتهم، عبر تحويلهم إلى «حالات اجتماعية» يقرّر المسؤول في مؤسسة «التمكين»، والتي هي مؤسسة خيرية، إن كانوا يستحقون المساعدة أو لا. وهي كذلك تجديد لـ«العهد» بين السلطة والاحتلال. وطبعاً مبادرة نحو الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب، الذي «قرّر» أن يمتلك غزة، ويهجّر أهلها، والسلطة اكتفت بالبيانات وبخطوتها في وجه الشهداء والأسرى كبادرة «حسن نية»!

من المعروف أن الاحتلال يجبي نيابة عن السلطة أموال المقاصّة، بموجب اتفاقية باريس الاقتصادية الموقّعة بين السلطة والاحتلال في 29 نيسان/ أبريل 1994. ويقتطع لقاء هذه العملية ما نسبته 3% شهرياً من قيمة أموال المقاصة كعمولة تحصيل ضرائب، ويصل المعدل الشهري لهذه الاقتطاعات إلى حوالي 35 مليون شيكل (10 ملايين دولار). اقتطاعات صافي الإقراض: وهي «المبالغ التي يقتطعها الاحتلال من إيرادات المقاصة مقابل الخدمات التي تقدمها بعض الشركات الإسرائيلية، كشركة الكهرباء القُطرية والمياه والخدمات الطبية».

وموضع الحديث هنا، اقتطاعات عائلات الأسرى والشهداء. ففي تموز 2018، صادق الكنيست الإسرائيلي على «تجميد دفع قيمة مخصصات ذوي الشهداء والأسرى والجرحى»، ما يعني اقتطاع مبلغ من أموال المقاصة يعادل ما تقوم السلطة الفلسطينية بتحويله لعائلات الشهداء والأسرى الفلسطينيين.

كذلك اقتطاعات لمصلحة متضرّري عمليات المقاومة، وكان في مطلع عام 2023 أن خصمت حكومة الاحتلال حوالي 40 مليون دولار من أموال المقاصة كتعويضات لمصلحة من تصفهم بمتضرري العمليات التي يقوم بها الفلسطينيون ضد الاحتلال، بعدما قاموا برفع قضايا في المحاكم الإسرائيلية. ومنذ السابع من أكتوبر 2023، أدخلت اقتطاعات حصة قطاع غزة من أموال المقاصة، والتي تقوم السلطة الفلسطينية عادة بتحويلها للقطاع المحاصر، كرواتب للموظفين العموميين، وتكلفة إمداد الوقود لتشغيل الكهرباء.

في المحصلة، الأمر بيد سلطات الاحتلال، مهما بالغ بعضنا بكلمات عن السيادة وسلطة القرار. والسلطة الفلسطينية ها هنا مهيمن عليها اقتصادياً ومالياً من قبل الاحتلال.

لكنها، أي السلطة، إزاء هذا الواقع، لا تقوم بإجراءات في وجه الاحتلال، إنما تفعل كل ما في وسعها لمواجهة شعبها، وزيادة نسبة الرافضين لها ولسلوكها، ولا سيما بعد حرب شنّها الاحتلال على كل ما هو حيٌّ في قطاع غزة، وها هو يرتكب مثلها في شمال الضفة الغربية المحتلة (حتى الآن على الأقل) وماذا تفعل السلطة في مقابل ذلك؟ تصدر البيانات والمواقف الكلامية لا غير.

لا يقبل العقل ولا المنطق سلوك السلطة الفلسطينية الحالي، ولا سوابقه، ولا ما سيلحقه. وكذلك لم يعد من المقبول كل هذا الانفلات من القيم الوطنية لشعب تحت الاحتلال في جزء منه، ولآخرين منه في الخارج يعيشون كلاجئين مهددين كل الوقت بإنهاء قضيتهم، وتحويلهم إلى ما يشاء كل «عابث» في القضية الفلسطينية. آن الأوان لهذه المهزلة الفلسطينية أن تنتهي، وأن يتنحّى ولاتها عنها، لترك المجال لمن فيهم جذور فلسطين التي لا تموت.

صحافي فلسطيني*

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي